مسائل الحكماء
يُعتبر كتاب الهوامل والشوامل من أندر كتب التراث العربي من حيث النوع الأدبي والموضوع. ولعله الكتاب الوحيد ثنائي التأليف، يجمع بين أسئلة واستفسارات الأديب أبي حيان التوحيدي و أجوبة المفكري الفيلسوف مسكويه. أما في الموضوع، فالكتاب مدهش لكونه يتضمّن أسئلة ذات نزعة وجودية صالحة لكل مكان وزمان، وأجوبة تأملية تتناول قضايا نفسية وأخلاقية وفكرية واجتماعية ودينية. وهذه سمة استثنائية لكتاب عربي عمره ألف سنة، يُنزل الفلسفة من برجها العاجي لمناقشة مسائل حياتية وقضايا تشغل الفكر الإنساني حتى يومنا هذا، خارج حدود الثقافة المحلية والأجوبة الجاهزة. ولعل الكلمة المفتاح التي تثبت تميز وتقدّمية الكتاب في عصره هي كلمة "الإنسانية" التي تتكرر في أجوبة مسكويه، بدلالةٍ قريبةٍ للمفهوم الذي نتبنّاه في العصر الحالي.
لا شك أن اطلاع أبي حيان التوحيدي ومسكويه على الثقافة والفلسفة اليونانيّة قد وسّع مداركهما إلى حدٍ كبير، وساهم في تكوين المعرفة الفكرية والعلمية المبثوثة في الكتاب. فالأول لُقّب بفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، بينما اعتُبر مسكويه "المعلم الثالث" في الفلسفة العربية بعد الفارابي و أرسطو.
لكن لم ينل الكتاب ما يستحقه من شهرة، وعلى الأرجح يعود ذلك لسبيين رئيسين: عنوان الكتاب وحجمه. إذ لم يكن عنوانه مساعداً في رواجه بين القراء المعاصرين، فكل من سمع بعنوان الهوامل والشوامل استصعب الاسم ولربما كان سبباً في ابتعاده عن الكتاب. فالهوامل هي الإبل الشاردة والهائمة، كنايةً عن أسئلة التوحيدي، والشوامل هي الحيوانات أو الكلاب التي تضبط تلك الإبل، كنايةً عن أجوبة مسكويه. وهذا معنىً لطيف لكني ارتأيت اختيار عنوانٍ أسهل وأوضح في الدلالة على مضمون الكتاب، وهو "مسائل الحكماء"، بالإضافة إلى وضع عناوين للمسائل تسهيلاً لمعرفة موضوعها بدل ترقيمها. ولأن القارىء غير المتخصص بالتراث ليس لديه غالباً الوقت الكافي لقراءة الكتاب الأصلي كاملاً، قمتُ بمهمة اختيار وجمع أفضل ما ورد في الكتاب من المسائل المطروحة، شرط أن تكون داعية لإعجاب القارىء ومناسبة للطرح من أي إنسان في كل مكان وزمان. وبالتالي استغنينا عن المسائل التي قد لا تثير اهتمام المتلقي المُعاصر، أو تلك التي لم يكن جوابها موفّقاً أو كافياً أو دقيقاً، آملاً أن ينال الكتاب استحسان القارىء.